تواجه المدن الحديثة تحديات متزايدة في إدارة مواردها المائية، ومع توسّع العمران في المملكة العربية السعودية وارتفاع معدلات الاستهلاك، أصبحت محطات معالجة مياه الصرف الصحي عنصرًا محوريًا في حماية البيئة وتعزيز الاستدامة. ولا يقتصر دور هذه المحطات على معالجة المياه فحسب، بل تمتد أهميتها إلى إعادة استخدامها، ودعم الزراعة، وتقليل التلوث، والمساهمة بشكل مباشر في تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030.

إن تصميم محطات المعالجة في المملكة يتطلب منهجية علمية دقيقة، وخبرة هندسية متخصصة، وتقنيات متطورة تضمن كفاءة التشغيل واستمرارية الأداء، خصوصًا في ظل التوسع العمراني المتسارع وارتفاع الاحتياج للمياه المعالجة للاستخدامات المختلفة.

لماذا تُعد محطات معالجة مياه الصرف الصحي مشروعًا استراتيجيًا في المملكة؟

يرتبط تصميم محطات المعالجة بمجموعة من الفوائد الحيوية، أهمها:

• حماية الصحة العامة عبر الحد من انتشار الملوثات والمياه غير المعالجة.

• تعزيز الأمن المائي من خلال إعادة استخدام المياه المعالجة في الري والصناعة.

• دعم الاستدامة البيئية ضمن خطط التنمية الوطنية.

• تقليل تكاليف استهلاك المياه على المدى الطويل.

• تلبية احتياجات التوسع العمراني في المدن الجديدة والمناطق السكنية.

وبرزت أهمية هذه المحطات بشكل واضح بعدما أصبحت مشاريع البنية التحتية عنصرًا أساسيًا في تطوير المدن السعودية، مثل الرياض، جدة، نيوم، والمدينة الصناعية.

الأساسيات الهندسية لتصميم محطات معالجة مياه الصرف الصحي

1. دراسة الموقع وتحليل البيانات

يبدأ التصميم بدراسة شاملة تشمل:

• تقييم عدد السكان الحاليين والمتوقعين.

• حساب حجم التدفقات اليومية والقصوى.

• تحليل مكونات مياه الصرف وتحديد نسب الملوثات.

• دراسة الظروف البيئية والمناخية للموقع.

هذه المرحلة تؤسس اختيار نوع التقنية وتحديد سعة المحطة.

2. تحديد التقنية المناسبة للمعالجة

تختلف تقنيات المعالجة بناءً على كمية ونوعية المياه، ومن أبرز الأنظمة المستخدمة في المملكة:

• المعالجة الأولية: إزالة الرمال، المواد العالقة، والشحوم.

• المعالجة الثانوية: استخدام الأنظمة البيولوجية مثل الحمأة المنشطة.

• المعالجة الثلاثية: الترشيح، إزالة العكارة، والتعقيم بالكلور أو الأشعة فوق البنفسجية.

• المعالجة المتقدمة: إزالة النيتروجين، الفوسفور، وتحسين جودة المياه للاستخدام الزراعي والصناعي.

اختيار التقنية المناسبة هو العامل الذي يحدد كفاءة المحطة على المدى الطويل.

3. تصميم وحدات المحطة بدقة هندسية عالية

تشمل وحدات المحطة الأساسية:

• أحواض التهوية والترسيب

• غرف ضخ المياه

• مرشحات رملية أو غشائية (Membrane Filtration)

• أنظمة التعقيم

• أحواض تجفيف الحمأة

• خطوط نقل وتصريف آمنة

ويتم تصميم كل جزء وفق مواصفات عالمية تتماشى مع المعايير السعودية.

4. أنظمة التحكم والأتمتة الذكية

تستخدم المحطات الحديثة في المملكة:

• أنظمة SCADA

• مراقبة مستوى الأكسجين

• حساسات التدفق والجودة

• تنبيهات فورية لأي خلل تشغيلي

هذه الأنظمة تضمن جودة تشغيل عالية وتقليل التدخل البشري.

5. إدارة الحمأة ومعالجتها

الحمأة الناتجة من عملية المعالجة تحتاج إلى معالجة آمنة تشمل:

• التجفيف

• التحويل للطاقة

• التخلص البيئي الآمن
  أو الاستفادة منها في الزراعة بعد معالجتها وفق المعايير.

التحديات التي تراعيها التصاميم الحديثة في المملكة

تأخذ التصميمات بعين الاعتبار:

• الظروف المناخية ودرجات الحرارة المرتفعة.

• التوسّع المستقبلي للمدن.

• الحاجة إلى خفض استهلاك الطاقة.

• تقليل الانبعاثات البيئية.

• تشييد المحطات في مساحات محدودة داخل المدن.

وتساهم التقنيات الحديثة في تجاوز معظم هذه التحديات بكفاءة.

دور محطات معالجة مياه الصرف في تحقيق رؤية المملكة 2030

تتبنى المملكة توجهًا استراتيجيًا لرفع نسبة إعادة استخدام المياه المعالجة، وتعد محطات المعالجة جزءًا مهمًا من:

• تطوير المدن الذكية.

• تحسين جودة الحياة.

• دعم المشاريع الزراعية والصناعية.

• حماية الموارد المائية.

ومع التوسع في إنشاء محطات جديدة، أصبحت المملكة من الدول الرائدة في المنطقة في مجال معالجة وإعادة تدوير المياه.

إن تصميم محطات معالجة مياه الصرف الصحي ليس مجرد مشروع هندسي، بل هو استثمار استراتيجي في مستقبل المدن والبيئة والاقتصاد. ومع ارتفاع الطلب على المياه المعالجة في المملكة، تتسع الحاجة إلى محطات أكثر تطورًا، تعتمد على تقنيات حديثة، وتوفر أداءً مستدامًا يلبي احتياجات الحاضر والمستقبل.